المادة    
ثم بين رحمه الله تعالى كثيراً من فوائد الرجاء غير ما علل به الهروي ، فـالهروي رحمه لله يقول: (إنما ذكر الرجاء في التنزيل؛ لأنه يبرد حرارة الخوف).
وقد بينا أن بعض السلف وصل بهم الخوف إلى حد المرض، وربما قاربوا اليأس أو الجزع، وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يقول: فائدة الرجاء إبراد حرارة الخوف، فإذا اشتد خوف الإنسان من الله عز وجل فإنه يبرد هذه الحرارة بالرجاء؛ ليستقر وتسكن نفسه.
غير أن للرجاء مع هذه الفائدة فوائد كثيرة جداً:
منها: أن المحبة التي يتفق الجميع على أنها أعلى الدرجات قرينة الرجاء، وأن الرجاء قرين المحبة، فإن العبد لا يرجو إلا من يحب، وهذا أمر معروف في طبائع الناس وفي حقائق القلوب، فلا ترجو إلا من تحب، أما من تكرهه وتبغضه فإنك لا ترجوه، فيكفي الرجاء فضلاً أن يكون ملازماً للمقام المتفق على فضله، وهو المحبة.
ومن فوائده: تحقيق عبودية الله الذي أمرنا أن نرجوه؛ ولهذا أثنى الله على عباده الصالحين بقوله: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ))[الإسراء:57]، وهذه هي الغاية، وهؤلاء هم أفضل الناس عبادة، وهم الذين عبدوا الله بهذه الثلاث جميعاً، ولا يقال: إن أحداً منها هو دون الأخرين، بل كلها سواء.
وذكر ابن القيم رحمه الله فوائد كثيرةً من فوائد الرجاء، وأنه ليس كما ذكر الهروي رحمه الله أنه من أضعف منازل المريد، بل قال: (هو من أعلى الدرجات) وإن كان الهروي كما ذكر ابن القيم رحمه الله، يقول: (إن الهروي لا يعني بهذا أن ينتقص مقام الرجاء في ذاته، ولكن يقلل منه بالنسبة للمريد) أي: كأنه يقول: الرجاء بذاته كالمحبة والخوف، لكن بالنسبة للمريد لا يعول عليه، ولا ينبغي له أن يجعله غايته أو همه.
ولكن على كل حال هذا الكلام يلاحظ ويؤاخذ عليه ما تقدم، وقد فصل ابن القيم رحمه الله تعالى هذا الكلام ما لا يحتاج إلى إعادته، وقد ذكرناه من قبل. وإنما كما فصلنا الكلام في الخوف والرجاء، أو وضحنا حقيقة الرجاء وحقيقة الخوف، فلابد أن يعلم الفرق بين الرجاء وبين الأماني الكاذبة، وهذا ما تقدم في الشرح هنا.